الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
عسكر في المعسكر
إبراهيم جلال فضلون (1)

بينهما تسعة عقود فارقة، فالأول "الجيش السوداني" عمره 100 عام، والثاني قوات "الدعم السريع عشر سنوات منذ عام 2013، إبان حكم الرئيس المعزول عمر البشير، في عدم توازن وقدرات، غير إن مسألة التسلط والاستغلال وصلت للتمرد على البلاد.. معتقدين أنهم أصبحوا خلال سنوات قليلة جيشاً موازياً في القوة العسكرية للجيش النظامي.

وكأنهم ذكرونا بميليشيا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في مصر وعدد من الدول العربية التي أرادت احتلالها وأفاقت أغلبها من شباكهم الضالة كقطر وتركيا، التي أشتم رائحة الضلال الإعلامي في أحداث السودان من تركيب فيديوهات ومشاهد وصور وغير تلك الحيل الكاذبة، التي بدأ التكتيك الحميديتي تلك القوة الأرضية فقط بمحاصرة القواعد الجوية للجيش أولاً، لأنها القوة التي يمكن أن تقهرهم لعدم امتلاك قوات الدعم لها.

ومنذ عام 1956، خاض الجيش السوداني حروباً مديدة ضد القوات المتمردة في جنوب السودان وأقاليم النيل الأزرق وجنوب كردفان، أكسبته خبرة في حروب العصابات، لكنه واجه استيلاء الإسلاميين على الحكم عام 1989 ومحاولتهم «أسلمة الجيش»، وتحويل الحروب من حروب سياسية إلى حروب جهادية.

واعتبر إحصائيات صدرت عام 2021، الجيش السوداني من أقوى وأكبر الجيوش في القرن الأفريقي.. وخرج تقرير «غلوبال فاير باور» لعام 2023، بأن عدده القتالي ما بين 100 و150 ألفاً بين جندي وضابط، وقد تراجع من المركز 73 إلى المركز 75، وإلى المرتبة العاشرة بين الجيوش الأفريقية. ويبلغ عدد قوات الجيش في السودان نحو 205 آلاف جندي، بينهم 100 ألف (قوات عاملة)، 50 ألفاً (قوات احتياطية)، 55 ألفاً (قوات شبه عسكرية). وتصنف القوات الجوية في المرتبة رقم 47 بين أضخم القوات الجوية في العالم، وقوات برية تشمل 170 دبابة، وتصنف في المرتبة رقم 69 عالمياً، و6 آلاف و967 مركبة عسكرية تجعله في المرتبة رقم 77 عالمياً، وقوة تضم 20 مدفعاً ذاتي الحركة تجعله في المرتبة رقم 63 عالمياً، وقوة تضم مدافع مقطورة 389 مدفعاً، تجعل الجيش السوداني في المرتبة رقم 29 عالمياً، و40 راجمة صواريخ تجعله في المرتبة رقم 54 عالمياً في هذا السلاح. وأسطولاً حربياً، يضم 18 وحدة بحرية تجعله في المرتبة رقم 66 عالمياً، بينما تقدر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار، بينما يبلغ عدد قوات «الدعم السريع»، حديثة التكوين، نحو 100 ألف فرد، في قواعد متفرقة، لها مقار وثكنات بالبلاد، وقد استولت على مقار تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني ومقار تابعة لحزب المؤتمر الوطني المحلول الذي كان يرأسه البشير، وصولاً لإقليم دارفور ومعظم ولايات السودان، حتى مناطق حدودية مع دول الجوار الأفريقي، بل وتعد قوات «الدعم السريع» أحد التشكيلات للجيش السوداني، رغم استقلاليتها عن الجيش 2019. عُرفت باسم «قوات عسكرية قومية»، مع تنامي دورها ونفوذها وسيطرتها على مناجم الذهب في جبل عامر في غرب السودان منذ 2017، وجنوب إقليم كردفان، حتى شيّدت معسكر مثار الصراع في منطقة تسمى «فتنة» قريباً من مطار مروي العسكري، ما اعتبره الجيش السوداني تهديداً مباشراً له، لتبدأ قصة القتال المروعة بالهجوم على المطارات حتى المدنية منها.

ليعكس المشهد السياسي والأمني المُدبر الناجم عن خطة سياسية نتيجة لفشل التوقيع على الاتفاق السياسي الذي كان مقرراً له في أول أسبوع من أبريل الحالي، ليجر الجيش نحو التصادم، مستهدفاً ضباطه وإمكاناته، لكن الأخير يتفادى هذه الأخطار المعروفة ومآلاتها السلبية تجاه وحدة السودان واستقراره. وهو عمل مقصود يُريدون أن يكون عنوانه فشل الدولة في توفير الأمن، مما يقود في النهاية إلى تفكيك البلاد. والمواجهة تضر بالجميع فالكل خاسر في هذا الصراع، فالجيش يطالب بأن تكون قيادة القوات العسكرية موحدة، بينما تدفع "الدعم السريع" باتجاه استقلاليتها وعدم وصاية الجيش عليها، ليبدو لنا من الصادق من الكاذب ومن يُريد خير البلاد من دمارها بل واحتلالها.

وهنا حضرتني قصة اعتقال ملك من ملوك العرب لرجل من إحدى ‏القبائل البعيدة!، ‏فجاءت قبيلته بشيوخها وبأمرائها وفرسانها، لتفديه، حتى فقال الملك لتلك الحشود الضخمة: ‏من هذا الرجل الذي جئتم جميعاً لأجله؟ ليكون الرد بصوت واحد: هو ملكنا، فتعجب الملك لأنه لم يُفصح عن ذاته، وقد فأراد أن يريك عزته بقومه! فأطلق الملك سراحهُ، وبعد أيام جاءه خبر أن ذلك الرجل ما هو إلا راعي إبل، فأرسل لهم الملك يستفسر مندهشاً ومستغرباً مما صنعوه، ‏فجاءه الرد منهم: {لا أمير فينا إن ذَلَّ راعينا}، والعبرة هنا: إنه ‏لا خير في قوم ضاع فيهم حق ضعيفهم.. حفظ الله شعب السودان وأخرج من بينهم وسطاء الفتن ومدركي الشيطان.

ليفانت – إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!